في اجتماع المجلس المركزي: الأمين العام للجماعة یشدد على ضرورة الاهتمام الجاد بفقه الواقع وإحداث تغييرات وتطورات جديدة في أدوات وأساليب الماضي

أكد الأمين العام لجماعة الدعوة والإصلاح ، في الاجتماع المشترك للمجلس المركزي والهیأت التنفيذية على ضرورة الاهتمام الجاد بالاجتهاد الفعلي وإحداث تغييرات وتطورات جديدة في أدوات وأساليب الماضي.

نص كلمة الأمين العام للجماعة كما يلي: 

بسم‌ الله الرحمن الرحیم
الحمدلله و الصلاه و السلام علی رسول الله و علی آله و أصحابه و من والاه 
رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلی‏ رُسُلِكَ وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْميعادَ.

أحیکم بتحية الله وأتمنی لکم الصحة والعافية والنجاح في خدمة دين الله وعباده ، وأرجو أن يكون هذا الاجتماع المبارك مصحوبًا بحضور الملائكة ونزول النور والرحمة وساعدنا الله تعالی في اتخاذ القرارات التي تتناسب مع الظروف الحساسة الحالية للمجتمع.

في بداية حديثي أشعر بضرورة التعبير عن أسفي وقلقي بشأن استمرار الوضع غير المستقر في البلاد خاصة الوضع الاقتصادي والصعوبات المعيشية لمواطنينا ، والإعدامات والمواجهة الواسعة بين المواطنين والحكام ، والعقوبات والتهديدات الخارجية التي تشكل تحديًا خطيرًا لأمن وسلام أبناء وطننا وأتمنی مستقبلا مليئا بالسلام والازدهار والتحرر من المصاعب لشعب إیران العزیز.

إن الله تعالى جعل محمدا المصطفی صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وجعل رسالته آخر الرسالات السماوية العالمية الخالدة ، وأعطاه قدرة وجدارة للبقاء والخلود والعالمية ، حتى استطاع أن يقود الأمة بالرغم من الخلافات محتفظا بالزمان والمكان والظروف.
الیوم وفي العصر الحالي أصبح مسؤولیة علماء الدین والمصلحین الاجتماعیین والتیارات الإسلامیة تجاه الدین مضاعفة فيما يتعلق بالفهم الصحيح للحقائق التي تحكم الحياة وظروف الزمان والمكان (الفقه وفهم الواقع) والفهم الصحيح للهداية الإلهية وتطبيقها الصحيح نظرا للطبيعة العالمية والأبدية لدين الإسلام من جهة ، والتغيرات والتحولات السريعة والمتعددة والعميقة من جهة أخرى. ومن الواضح أن الاهتمام بالحقائق وفهم الوضع الحالي فيما يتعلق بأحكام الشريعة يظهر مدى ملاءمة الدين لأي زمان ومكان وظروف ويوفر الأرضیة للتوازن بين الأصالة والعصر / الأصالة والمعاصرة / الثوابت والمتغيرات / الأهداف والوسائل.

في هذا السياق وبخصوص أهمية وضرورة الفهم الصحيح للحقائق والمواقف والأفكار والثقافة الحاكمة علی الزمان والمكان ، والتي تتلاءم مع الرسالة الإلهیة الخاصة وتطبيقها الصحيح ، سنستعرض بإيجاز رأي بعض الشیوخ العظماء.
يقول الإمام ابن تيمية: "فإن من لم یعرف الواقع فی الخلق والواجب فی الدین لم یعرف حکم الله فی عباده"

أي إذا لم یعرف الفقيه والمجتهد والباحث القرآني الحقائق التي تحكم الحياة والمجتمع والناس ، وكذلك رسالة الدين في تلك الظروف ، لن يكون قادرًا على فهم الحكم الإلهي على عباده ، لأنه وفقًا لمصطلح الفقهاء أن تنقیح المناط وإثبات الحكم الشرعي وإخراجه شرط أساسي من شروط الاجتهاد.

لكن ابن القيم يؤكد أيضًا على نوعين من الفهم والمعرفة:

أ) فهم الواقع والفقه. 

ب) فهم الواجب في الواقع ، وهو حكم الله ، وهو الحكم في كتابه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الواقع. 

إن معرفة أمر الله وتوجيهاته ونصائحه ملائمة لتلك الحقائق والمواقف المأخوذة من القرآن الكريم أو الحديث النبوي فيما يتعلق بهذه الحقائق.

باختصار. "فقه الواقع" هو فهم دقيق للخصائص والسمات والمواقف التي تؤثر على الناس والمجتمع وتحكمهم ، والتي تتطلب تنفيذ حكم الشريعة.

وتجدر الإشارة إلى أن الأئمة والفقهاء والمجتهدين استخدموا في الماضي أدوات مثل الاستحسان والاستحصاب وسد الذرائع والمصالح المرسلة والعرف للتفاعل مع النصوص في تغيير الأحداث بما يحقق مقاصد الشريعة ویخلق الانسجام والتوفيق بين ثوابت العصر ومتطلباته. 

1- الاستحسان: تفضيل القیاس الخفي على القیاس الجلي.

2 – الاستصحاب: قبول بقاء الحكم في الوقت الحاضر لاستقراره في الماضي لعدم وجود سبب واضح  لسنخه أو إلغائه.

3- سد الذرائع: منع ما يسبب الفساد.

4- المصالح المرسلة: الأمور التي تحافظ على مقاصد الشريعة ولكنها تفتقر إلى نص شرعي في صلاحيتها فتترك مرسلة.

5- العرف: عادة اعتاد الناس العاديون عليها واستقرت في نفوسهم وعقولهم ، ولا تخالف الشريعة ، فمثلاً يقوم أهل الحضر بالبيع بصفة معينة ، مثلاً بفاتورة فقط دون أن یکلموا شیئا.

وتجدر الإشارة إلى أنه إذا لم يولوا اهتماما كبيرا للموضوع المهم والمحوري "فقه الواقع" في الماضي ، فربما يكون ذلك بسبب قلة التغيرات والتطورات أو بطيئها في عصرهم على عكس عصرنا الحالي ، وفي ظل التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي وتعقيد الحياة ومدى الأحداث والتطورات وتداخل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وتعدد الأفكار والأحزاب والتيارات ، فإن الضرورة الاهتمام الجاد بفقه الواقع تجعل إحداث التغييرات والتطورات الجدیدة في أدوات وأساليب الماضي أكثر ضرورة.

خاصة أن القرآن الكريم يؤكد على وجه الخصوص على مرجعیته وهديه في جميع الأوقات والأماكن والأحوال والظروف، ويقول: "إِنَّ هٰذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا" [الإسراء:9]
لذلك ، من الضروري اتخاذ خطوات جادة لفهم الرسالة الجديدة والمرشدة للقرآن الكريم بشكل صحيح وللتعرف على الوضع الحالي بشكل صحيح وتطبيقه بحكمة.

يقول الأستاذ طارق البصري في سياق الإسلام والعصر: "إن المشکله لیست فی جهلنا بالاسلام، بل المشکله فی جهلنا بالعصر"

لا تكمن مشكلتنا نحن المسلمين في أننا لا نفهم الإسلام ، ولكن المشكلة هي أننا لا نفهم الوقت.

ويقول الأستاذ ماهر حسين حصوة:
"إن غیاب فقه الواقع بشقیه: واقع النص فهما وتعلیلا وواقع التطبیق فقها لمحل التنزیل وشروط التطبیق، أدّی الی نتایج غیر مرضیة شرعاً من خلال إغفال النصوص و مقاصدها أو إغفال الواقع و افرازاته".